صحفيو السودان يواجهون الموت من أجل إيصال معاناة المدنيين
صحفيو السودان يواجهون الموت من أجل إيصال معاناة المدنيين
تسلّق صحفيون سودانيون جبل "عمير" في مدينة الجنينة، الواقعة أقصى غرب السودان قرب الحدود مع تشاد، ليتمكنوا من التقاط إشارات شبكات الاتصال التشادية بعد أن تسببت الحرب في انقطاع الاتصالات والكهرباء والمياه، ما جعل العمل الصحفي شبه مستحيل.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل عامين، بات إقليم دارفور غارقًا في عتمة إعلامية خانقة، خصوصًا مع استهداف الصحفيين ومعداتهم بشكل متكرر من طرفي النزاع، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الأربعاء.
وأكدت الصحفية السودانية نون، من مدينة الجنينة، أن الحياة أصبحت بلا ماء ولا كهرباء ولا إنترنت، وأنهم يضطرون إلى السير لمسافات طويلة لشحن هواتفهم باستخدام ألواح الطاقة الشمسية.
وأوضحت أن حياتهم المهنية محفوفة بالخطر، إذ تمّت مداهمة منزلها ثلاث مرات وسرقة جميع معداتها، بما في ذلك كاميرات التصوير.
وتروي أن أحد المهاجمين ناداها باسمها وسأل عن الكاميرات، ما دفعها للنزوح نحو ولاية القضارف، حيث اعتقلها الجيش لاحقًا أثناء تغطيتها لأوضاع النازحين، وأفرج عنها فقط بعد توقيعها تعهّدًا بعدم العمل الصحفي دون إذن مسبق.
حصار الصحف وإغلاق المكاتب
بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، فرّ أكثر من 400 صحفي سوداني إلى دول الجوار، بينما باتت العديد من وسائل الإعلام تبث من الخارج، وتركوا مراسليهم في الداخل يواجهون العمل دون دعم أو مكاتب.
ويعد السودان من أخطر الدول لممارسة الصحافة، حيث احتل المرتبة الثانية عالميًا في عدد الصحفيين المقتولين خلال عام 2024، وفقًا للجنة حماية الصحفيين.
في مدينة ود مدني، وجد الصحفي يوسف (62 عامًا) نفسه مضطرًا لتربية الماعز وزراعة الذرة لتأمين قوته، بعد أن أغلقت صحيفته أبوابها وانتقلت للعمل من القاهرة.
ويؤكد أنه رغم انقطاع الكهرباء والإنترنت، لا يزال يرسل الأخبار بصبر عبر شبكات متقطعة، حتى بعد تعرضه للاعتقال من قبل قوات الدعم السريع، حيث قيدت يداه، وعُصبت عيناه، واحتُجز ثلاثة أيام دون طعام أو دورة مياه.
ويقول: "سألني المحقق إن كنت صحفيا، فلما أجبت بـ(نعم)، قال: هذه أكبر جريمة".
صورة تحت التهديد
أما المصور الصحفي إبراهيم (30 عامًا) فيواصل عمله من مدينة طويلة في شمال دارفور، رغم المعارك العنيفة التي تشهدها المنطقة.
ويستخدم هاتفه لتوثيق وتعديل الصور وسط بيئة خطرة، محاولًا نقل ما يحدث داخل مخيمات النزوح. ويضطر للعمل في سرية تامة، إذ يخشى الاعتقال أو مصادرة هاتفه.
وكان قد تعرّض للاعتقال والتعذيب خمسة أيام على يد قوات الدعم السريع التي اتهمته بالتجسس لصالح الجيش، قبل أن يفر من الفاشر تاركًا خلفه معداته.
أصوات من قلب المحنة
أكدت نقابة الصحفيين السودانيين مقتل 28 صحفيا، وتعرض 68 آخرين للإخفاء القسري أو الاعتقال منذ اندلاع النزاع.
ويختم إبراهيم حديثه، قائلاً: "من سينقل ما يحدث في دارفور إن خرجنا كلنا؟ لا أحد يحكي ما يحدث هنا سوانا، والانتهاكات لا يتصورها أحد".